لكل منا منظوره في الحياة و عادة ما نجد الكثير ينظرون اليها بحسب النقص الذي لديهم فالفقير يرى الحياة مال و المتشرد يرى الحياة استقرار و اسرة و العقيم يرى الحياة اولاد و السقيم يراها شفاء اما حياتي فتتجلى في احلام جمعت كل شئ او كما يقال من كل بستان احمل زهرة .. اه من الحياة نعيشها عبثا الى ان نحس انها ستسلب منا فندرك جيدا معناها و قيمتها كما ندرك منزلتنا عند الاشخاص المحيطين بنا .. الكثير من الكلام اللذي يتحجر بداخلنا و لا نستطيع البوح به هو من يدفعنا الى خط القليل من الحروف عسانا نوصل قليلا من خربشات العقل الى خارجه ، في الحقيقة هذا ما جعلني اكتب حكايا قليل من ايامي ، قصة مرضي ، و قصة السحر

لمطالعة الجزء الأول من القصة, يرجى تتبع هذا الرابط

امضيت ليلي نائمة كالعادة سرعان ما يأخذ الدواء المهدئ مفعوله لاستيقض و امضي يومي كالعادة لا جديد يذكر ، انا في العطلة الآن و اقترب موعد الدخول الدراسي ، هذه السنة الاخيرة لي في طور الليسانس ، لطالما كنت من المتفوقين ، لا اعلم هل افرح لأنني اشرفت على نيل شهادة الليسانس ام احزن لأن فرحي بها لن يطول .. قلت شهيتي للطعام و اصبحت اعاني من الاغماءات المتكررة في يوم واحد ، لم تستجب امي لكلامي و قررت ان تأخذني للطبيب ، آه يا امي لو تعلمين علتي!

روحي المرحة التي اتخذت من جسدي الضعيف دولة لها ، في دولتي كثر التمرد ، الشعب تمرد على بعضه و السلطة تمردت على ضميرها و خلايا دمي تمردت على جسمي و تفكيري معاق ، دخلت الى العيادة بخطى متثاقلة ، اعلم ما بي و اعلم ان لا شفاء لي من المرض.. حتى و ان كان لي أمل فالطريق صعبة جدا و انا لا اطيق التحمل ، كان عليّ ان انتظر دوري جلست مقابل عجوزٌ في اواخر السبعينات يبدو عليها الوقار و الهيبة لكن ملامح وجهها توحي ببعض من الحزن و التعب ، امامها طفلة في الرابعة من عمرها تجمعت فيها صفات الجمال بيضاء البشرة ، شعرها طويل جمعت خصلاته بسدائل زرقاء اللون ، لوني المفضل زاد اعجابي بها ، كنت انظر اليهما يجلسان بالقرب من بعضهما و كأن العمر كله يتلخص ما بين الكرسيّ و الآخر هاهنا تبدأ متعة الحياة.. الطفولة و البراءة ثم المراهقة و الجمال ، و هاهنا تنتهي و كأنها تعيش فقط لأنها حية ، اسوأ ما في الحياة حياة لا حياة فيها..

اظن ان المرحلة التي انا بها الآن تقبع في وسط الفجوة بين الكرسيين تماما عشت القليل و لا ادري ان كنت ساحضى بفرصة لأتذوق ما تبقى ، جاء دوري وصلت عند الطبيب و بدأ اسألته و فحوصاته كالعادة ، امر روتيني بالنسبة له ، و تذكرة بداية معاناتي مع العلاج بالنسبة لي ، وصف لي بعضا من الادوية و الفيتامينات و اعطاني وصفة بها الكثير من التحاليل و طلب مني ان اجريهم في اقرب وقت ممكن ، لا اريدهم من الاساس ، لكن الحاح امي يدفعني لكل هذا ، تظاهرت بانني على ما يرام ، لكن اصرارها جعلني اقوم بالتحاليل في ذلك المساء ثم جاءت النتائج صاعقة للجميعكانت تلك الليلة هادئة الى حد مخيف سوادها حالك انارها هلال بدى لي مبتسما زينت سماؤه بنجوم كانها لؤلؤ متناثر يسحر عيون كل من رفع راسه الى السماء ، بدأت التامل اقضي ما تبقى لي من حياتي مستسلمة لنار انتشرت في عروقي كالهشيم تحرق ما بداخلي تلتهمني شيئا فشيئا هكذا تكون المراحل الاولى من السرطان اللذي إنكشف اخيرا بعد ان قررت ان اغلق عليه بين طيات قلبي بيني و بين ربي فهو الوحيد القادر على شفاء معاناتي انا لا اكترث الآن ، بعد ان رأيت امي تبكي بحرقة لأول مرة ، و ابي يقف كمتهم نُطق بحكم إعدامه

لمطالعة الجزء الثالث من القصة, يرجى تتبع هذا الرابط

ريان طالب