لكل منا منظوره في الحياة و عادة ما نجد الكثير ينظرون اليها بحسب النقص الذي لديهم فالفقير يرى الحياة مال و المتشرد يرى الحياة استقرار و اسرة و العقيم يرى الحياة اولاد و السقيم يراها شفاء اما حياتي فتتجلى في احلام جمعت كل شئ او كما يقال من كل بستان احمل زهرة .. اه من الحياة نعيشها عبثا الى ان نحس انها ستسلب منا فندرك جيدا معناها و قيمتها كما ندرك منزلتنا عند الاشخاص المحيطين بنا .. الكثير من الكلام اللذي يتحجر بداخلنا و لا نستطيع البوح به هو من يدفعنا الى خط القليل من الحروف عسانا نوصل قليلا من خربشات العقل الى خارجه ، في الحقيقة هذا ما جعلني اكتب حكايا قليل من ايامي ، قصة مرضي ، و قصة السحر

لمطالعة الجزء الثاني من القصة, يرجى تتبع هذا الرابط

ادخلوني المستشفى بعد إتمامهم لجميع الإجراءات أمضيت يومين نهارهم ليل و ليلهم سواد لا يختلفان إلا ارقاما تزيد من مُضي ايام الشهر و تنقص مما تبقى لي من عمر … لطالما كرهت الخيانة فهي أصعب شعور ، اصعب من المرض حتى و كُتب لي أن اموت بسببها ، اجل و لما الحيرة فجسدي هو اكبر من خانني ، لقد قَبِل الدم الذي يسري في عروقي أن يتغير ، يتناقص مستواه تدريجيا ، حتى ذلك الذي تضيفه لي الممرضة في كل مرة يتحلل و يذهب … تقتلني جرعات الكيماوي ، احس بها عندما تنتقل ، تتقاذفها الشرايين من واحد الى آخر متمنية ألّا ترجع اليها ابدا محدثة بذلك سنفونية من الألم و العذاب يزعجني صوت الآلات ، و كأنها تقف شاهدة على معانلتي ، و لا دور لها إلّا احتساب الساعات لي ، سئمت ، لكن لا بأس أحاول الاستمتاع بالايام مع اصدقائي و الزائرين و بعض المريضات معي ، صدى صوت ضحكاتي يعكس كم من الصرخات أخفيت و كم من الشهقات كتمت … لا أبالي بسقوط آخر شعرات رأسي او إزدياد قطر الهالات السوداء تحت عينيَّ و هل يكترث الميت لأحوال الطقس مثلا أو هل يختار الأعمى لونا اعجبه! هكذا أنا تماما تقبلت جميع الاوضاع و هذا المرض ايضا كطفل يتيم أعطيه آخر لقمة تبقت لي في زمن القحط ثم أحضن جسمه الهزيل ليستمد قوّته مني و نموت و نهوي معا الى ان نصير غبارا فتأخذ بنا الرياح الى صحراء لم و لن تطأها روح من قبل .

تتوالى الايام متماثلة الى هذا اليوم .. في اليوم الأخير : أحس بدنو اجلي ، أجل لم أخطئ انه آخر أيامي في هذه الحياة ، إرتاح جسدي كأن لم يكن به سقم ، أنظر إلى السماء من النافذة و أتذكر كل ما فعلته في عقدين من حياتي مرت كساعتين بل أقل ، اضحك أحيانا و استشعر دموعا تنزل على وجنتيّ احيانا اخرى لدي الكثير من الأشياء لم افعلها و بحر من الكلمات لم اقلها سأسترق دقيقة من الزمن أكتفي فيها بترديدها كتعويذة علّها تبقى سابحة في الهواء و ترتمي في مسامع ذلك الغائب يوما ، لم أكن وحدي فالكثير ممن أعرفهم حولي ، يقفون أمام سريري و البعض جالس ، لكنني وحيدة ، إعتدت على الامر أولم اقل انني طالما شعرت بالغربة بينهم ، شاردة بكل ما فيّ أجول في عالم ما قبل الموت بلحظات ، يظن الأطباء أنني في غيبوبة ، لكن لا فلم أكن واعية قبل الآن… ثم تذكرت… لم أعترف أبدا أنني أحببته ، خصصت له قطعة من روحي كانت أغلى ما أملك لكنه اسقطها مرارا ، و في كل مرة تنقسم تلك القطعة إلى أجزاء يستحيل إصلاحها إحتفظَ بها و أخذ يعذب في كل جزء منها بطريقة مختلفة ثم رحل… جمعت ما تبقى من دمارها و إبتعدت ، ربما لم يكن شيئا بالنسبة له لكنه كان قلبي.. آخر ساعة : ها انا أتلاشى آخر دقيقة : أنا الآن في سكينة لم أذق مثلها في حياتي… و إن كنت لا أحتمل لحظات الوداع فلا بأس بها مرة في العمر ، اشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن محمداً رسول الله آخر ثانية :

………..

ريان طالب